دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

رأي – سوريا: صراع النفوذ ورهانات الاستقرار

لا يمكن تجاهل أن تركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو وأن إسرائيل بمثابة قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط، لذا لا صدام مباشرا بينهما بل عبر أدواتهما على الأرض السورية.

حلبة لصراع الديوك
تعج الساحة السورية حاليًا بكثرة اللاعبين الذين يسعون لتثبيت معادلاتهم، نتيجة مباشرة لتداعيات صراع طويل أضعف دولًا، أسقط أنظمة، وأنهك محاور وميليشيات. فباتت سوريا مرآة تعكس نهاية نفوذ إقليمي وبداية آخر جديد يجتهد لكسر قواعد اللعبة ليتمدد ويستقر.

إيران تملك بعض النفوذ عبر وكلائها، بينما تبقى رواسب نظام البعث الأسدي متغلغلة في مفاصل الدولة المتهالكة. في هذا السياق تسعى تركيا لتأمين مستقبل نظام أحمد الشرع وفصائله التي لم تتخلَّ بعد عن تصرفاتها الهمجية الميليشياوية. هذا الواقع دفع الرئيس أحمد الشرع إلى التملص من هذه السلوكيات، معلنًا التزامه بمحاسبة المسؤولين عنها أمام المجتمع الدولي، الذي بدأ يقتنع بأن الشرع يطمح لقيادة سوريا كرجل دولة، وليس مجرد زعيم ميليشيا.

إسرائيل، بدورها، ترى في الفوضى السورية وضعف النظام الحاكم، المدعوم بجدار تركي يحرص على تجنب الصدام مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، فرصة لفرض أمر واقع من خلال منطقة منزوعة السلاح في الجنوب السوري. هذا الواقع يمهد لاتفاقية سلام تبدو حتمية، إذ تدرك الأطراف أنها تمثل المحطة الأخيرة لهذا الصراع.

◄ إيران ترى في هذا الصراع فرصة لإعادة دمشق إلى محورها المتداعي، بينما تقف دول عربية موحدة في مساعي وساطة دبلوماسية مرنة

إدارة الرئيس ترامب تتفهم حاجة إسرائيل إلى منطقة منزوعة السلاح، بينما يفضل الأتراك ونظام أحمد الشرع التوصل إليها عبر تفاوض ضمن عملية سلام تشمل معالجة جميع الملفات، دون السماح لأي طرف داخلي بتحدي هيبة الدولة التي يُسعى لتثبيت أركانها واستعادة توازنها.

تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اتهم إسرائيل باستخدام الدروز ذريعة لتوسيع نطاق تدخلاتها في سوريا، يؤكد أن دخول قوات العشائر السورية بأكثر من 50 ألف مقاتل إلى منطقة السويداء هو رهان تركي وشرعي لمواجهة النفوذ الدرزي المدعوم من تل أبيب. هذا الخيار يعكس رغبة في تجنب مواجهة عسكرية مباشرة مع حكومة بنيامين نتنياهو. الوضع في سوريا يشبه حلبة صراع ديوك، يراقبها “الراعي الأميركي” الذي ينتظر الفائز للتعامل معه ضمن مصالحه التي تستهدف الحفاظ على هيمنته الدولية.

لا يمكن تجاهل أن تركيا حليفة الولايات المتحدة في الناتو، وإسرائيل بمثابة قاعدتها المتقدمة في الشرق الأوسط. لذا لا صدام مباشرا بينهما، بل عبر أدواتهما على الأرض السورية. إيران ترى في هذا الصراع فرصة لإعادة دمشق إلى محورها المتداعي، بينما تقف دول عربية موحدة في مساعي وساطة دبلوماسية مرنة، تراعي حساسية الوضع الإقليمي والدولي، لتحقيق سلام بين سوريا وإسرائيل كرؤية عقلانية لاستقرار الشرق الأوسط.

حميد قرمان – صحفي وكاتب سياسي – العرب اللندنية
المقالة تعبر عن رأي الكاتب والصحيفة