دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

السويداء تحت النار: اشتباكات مستمرة رغم إعلان وقف إطلاق النار وسط تصاعد المخاطر الإنسانية والطائفية

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – رغم مرور أكثر من 48 ساعة على إعلان وقف شامل لإطلاق النار في سوريا من قبل “الحكومة السورية الانتقالية” وبرعاية أمريكية مباشرة، لا تزال الاشتباكات العنيفة مستمرة في محافظة السويداء، في مشهد يثير تساؤلات واسعة حول جدية الالتزامات، وتنامي نفوذ الجماعات المسلحة الحاملة للسلاح؛ الذي من المفترض أن ينحصر بيد الدولة، وسط انهيار شبه كامل للبنى التحتية وتفاقم الوضع الإنساني.

وهناك مخاوف جدية من تصاعد الخطاب الطائفي والتحريضي من قبل أطراف عدة، سواء ضد الدروز والعلويين والأكراد والمسيحيين، تحت مسمى “الأكثرية”، وهو ما يهدد بشكل غير مسبوق بتقسيم سوريا وعدم استقرارها.

وبالعودة إلى ما يجري في السويداء، ورغم إعلان الحكومة الانتقالية وقف القتال، إلا أن المعارك لم تتوقف، بل تصاعدت وتيرتها بشكل لافت، خاصة في الأحياء الغربية للمدينة، حيث تشير شهادات ميدانية إلى استمرار استخدام السلاح الثقيل والمتوسط، وسط حالة من الذعر والهلع في أوساط المدنيين.

خرق الاتفاقية “مسؤولية المسلحين” القادمين من خارج المحافظة

وفي الوقت الذي التزمت فيه معظم الفصائل المحلية الدرزية المسلحة في السويداء ببنود الاتفاق، تشير تقارير ميدانية إلى أن المجموعات المسلحة القادمة من خارج المحافظة، وخصوصاً مسلحي بعض العشائر، تلعب دوراً محورياً في تفجير الوضع ميدانياً وخرق الاتفاق. ويتهم أبناء المحافظة هذه المجموعات بالسعي لفرض أمر واقع عسكري وأمني في مناطقهم، وهو ما يُنذر بتحولات خطيرة تهدد السلم الأهلي والتوازن الحساس في الجنوب السوري.

أرقام صادمة لحصيلة الخسائر البشرية

وفي أحدث إحصائية صادرة عن “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بلغت حصيلة الضحايا منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة في السويداء 1120 قتيلاً على الأقل، بين مدنيين ومقاتلين من الطرفين، وسط ترجيحات بارتفاع العدد خلال الساعات القادمة نتيجة صعوبة الوصول إلى بعض المناطق المحاصرة وغياب الإحصاء الدقيق.

هذه الأرقام تُعد صادمة بالنظر إلى خصوصية محافظة السويداء كمنطقة لطالما حافظت على نوع من الاستقرار الهش مقارنةً بمناطق النزاع الأخرى خلال سنوات الحرب السورية.

خسائر كارثية في البنية التحتية وخروج المستشفى الوطني عن الخدمة

الاشتباكات المستمرة ألقت بظلالها الكارثية على البنية التحتية في المحافظة. فعدا عن تدمير واسع للمنازل والطرقات وشبكات المياه والكهرباء، أكدت مصادر طبية أن المستشفى الوطني في السويداء خرج عن الخدمة بالكامل بعد تعرضه لقصف مباشر، ما أدّى إلى إصابات في صفوف الكوادر الطبية ونزوح عدد كبير من المرضى.

تعطيل هذا المرفق الحيوي أثر بشكل مباشر على المنظومة الصحية في المدينة، حيث باتت مراكز الإسعاف الأولي عاجزة عن التعامل مع حجم الإصابات، في ظل انقطاع الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، وتزايد عدد الجرحى يومياً.

الإعدامات الميدانية وجرائم على خلفيات طائفية

تسجل تقارير ميدانية موثقة حالات إعدامات ميدانية بحق مدنيين جرى اعتقالهم من قبل بعض “الفصائل المتشددة الأجنبية والمحلية على خلفية انتمائهم الطائفي، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد ويعزز المخاوف من انزلاق الأوضاع نحو نزاع أهلي مفتوح.

وحتى اللحظة، لا توجد آليات واضحة أو جهة قادرة على محاسبة مرتكبي هذه الجرائم، ما يفتح الباب أمام تكرارها، ويقوض مساعي العدالة والمصالحة الوطنية.

ظهور المرتزقة والمتشددين في المعركة”

في تصريح لافت، أعلن “المجلس العسكري في السويداء” أن الاشتباكات الأخيرة تشهد مشاركة عناصر متطرفة، من بينها مجموعات تنتمي إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، مؤكداً أن مقاتلين من التنظيم تسللوا إلى مناطق التماس وشاركوا في الهجمات المسلحة.

وقد تداول نشطاء محليون مقاطع فيديو تظهر وجوهاً معروفة بانتمائها لتنظيمات جهادية، وهي تقاتل في صفوف إحدى الفصائل المهاجمة، ما يثير مخاوف جدية من تحوّل السويداء إلى ساحة جديدة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

“تهديد وجودي لوحدة سوريا وهويتها الوطنية”

ولا شك إن استمرار الاشتباكات في السويداء لا يشكل تهديداً لأمن المحافظة وحدها، بل يحمل مخاطر استراتيجية تطال مستقبل سوريا كدولة موحدة. إذ إن الانقسام القائم على أسس طائفية، وتموضع فصائل محسوبة على مكونات إثنية أو دينية بعينها ضد أخرى، يشكل بيئة خصبة لتفكك النسيج الوطني، ويدفع نحو منطق التقسيم تحت مسميات “حماية الأقليات” أو “فرض الأكثرية”.

والأخطر من ذلك، وفق متابعين، أن أي فراغ أمني في محافظة السويداء قد يُستغل من قبل جهات متطرفة وأطراف خارجية لتوسيع رقعة نفوذها، ما يهدد مستقبل أي حل سياسي جامع، ويُقوّض مبدأ المواطنة المتساوية بين السوريين.

“التحريض الطائفي والفتنة بداية لتقسيم سوريا وتفككها”

وبين فوضى السلاح، وتداخل الأجندات، وغياب سلطة مركزية قادرة على فرض الاستقرار، تقف السويداء اليوم على حافة كارثة إنسانية وأمنية. فما يحدث ليس مجرد نزاع مسلح عابر، بل إنذار مبكر لانهيار نموذج التعايش الأهلي، وانفجار ما تبقى من المجتمع السوري إذا لم يُتخذ موقف واضح من قبل القوى الراعية للعملية السياسية.

وفي ظل كل ذلك، تبرز الحاجة إلى تدخل دولي جاد لفرض وقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة المتورطين في جرائم الحرب، سواء في السويداء وقبل ذلك في الساحل السوري، ناهيك عن تجريم كل الخطابات الطائفية والتحريض على قتال المكونات السورية.

 

إعداد: ربى نجار

سط تصاعد المخاطر الإنسانية والطائفية