دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

كيف قتل المهاجمون السوريون؟ يد على الزناد وأخرى على الكاميرا

تحققت وكالة “رويترز” من ثلاثة مقاطع فيديو تُظهر مسلحين يرتدون زياً عسكرياً وهم ينفذون عمليات إعدام بأسلوب ميداني ضد 12 مدنياً أعزل من أبناء الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، مطلع هذا الشهر. وقد صوّر الجناة أنفسهم هذه المشاهد أو أشخاص كانوا برفقتهم.

في أحد المقاطع، يُشهر مسلحون يرتدون زياً عسكرياً بنادقهم نحو ثلاثة رجال عزّل، ويأمرونهم بالخروج إلى شرفة مشمسة. ثم يقول أحد المهاجمين لرفيقه: “انتظر لحظة. هل تريد تصويرهم؟”

المشهد، الذي بدأ أحدهم تصويره بهاتفه المحمول، يتوقف لبضع لحظات لإتاحة الوقت لرفيق آخر كي يبدأ هو أيضاً التصوير.

ثم يُسمع صوت المهاجمين وهم يصرخون بالضحايا: “هيا! اقفز بنفسك”.

ويقوم اثنان من المسلحين بإطلاق النار على الرجال واحداً تلو الآخر وهم يتجاوزون الحافة السوداء للشرفة، لتسقط جثثهم في الشارع أدناه، بحسب ما ظهر في المقطع الذي راجعته “رويترز” وتداولته وسائل التواصل الاجتماعي.

أحد أقرباء العائلة وصديق لها أكدّا لـ”رويترز” أن الضحايا هم معاذ عرنوس وشقيقه براء، وابن عمهما أسامة، وقد أُعدموا في منزلهم بمدينة السويداء بتاريخ 16 تموز.

هؤلاء الثلاثة كانوا ضمن 12 مدنياً درزياً أُعدموا بأسلوب مشابه على يد مسلحين في ثلاث مواقع مختلفة داخل السويداء ومحيطها، وفقاً للمقاطع المصورة التي تحققّت منها “رويترز”.

في تسجيل آخر، يظهر منير الرجمة، حارس بئر مياه يبلغ من العمر 60 عاماً، يُقتل رمياً بالرصاص على يد مقاتلين شابين بعدما أبلغهم بأنه درزي، وفق ما قاله ابنه وئام لـ”رويترز”. وتُظهر لقطات أخرى مجموعة من المسلحين يجبرون ثمانية مدنيين على الركوع وسط ساحة ترابية قبل إطلاق النار عليهم وقتلهم، حسبما أفاد صديق وأحد أقارب بعض الضحايا.

استخدمت “رويترز” معالم ظاهرة في المقاطع، وأجرت مقابلات مع سبعة من أقارب وأصدقاء الضحايا، لتحديد أماكن الحوادث والتحقق من تواريخها. وأجمع جميع من قابلتهم الوكالة على اعتقادهم بأن قوات النظام السوري الحالي هي من قتلت ذويهم.

لم تتمكن “رويترز” من تحديد هوية المنفذين الظاهرين في المقاطع، أو من قام بنشرها أولاً على الإنترنت. وقد بدأت بالظهور بعد 18 تموز، وفق مراجعة منشورات وسائل التواصل.

مكتبا الإعلام في وزارتي الدفاع والداخلية التابعتين للحكومة السورية لم يردا على استفسارات “رويترز” بشأن هذه الحوادث المصوّرة.

وفي بيان صدر في 22 تموز، قالت وزارة الدفاع السورية إنها على علم بتقارير عن “جهة مجهولة” ترتدي زياً عسكرياً ارتكبت “انتهاكات صادمة ومروّعة” في السويداء، دون أن تشير إلى عمليات إعدام ميدانية استهدفت دروزاً. وأضافت الوزارة أنها ستحقق في الانتهاكات وتحدد المسؤولين عنها وتوقع عليهم “أقصى العقوبات”، حتى لو كانوا منتسبين لوزارة الدفاع. وفي اليوم ذاته، دانت وزارة الداخلية “بأشد العبارات” المقاطع المتداولة التي تُظهر عمليات إعدام ميدانية نفذها “أفراد مجهولو الهوية”.

منظمات حقوقية: أكثر من ألف قتيل

تشهد سوريا موجات من الصراع الطائفي منذ سقوط نظام بشار الأسد ودولته الأمنية المفككة في كانون الأول الماضي، بعد 14 عاماً من الحرب. وقد شكّلت الحكومة الجديدة، التي تقودها جماعة سنية إسلامية سابقة تنتمي للتيار الجهادي العالمي، جيشاً وطنياً من فصائل مسلحة سابقة، لكنها لم تنجح في السيطرة على الفوضى الأمنية.

اندلعت الاضطرابات الأخيرة في السويداء يوم 13 تموز، نتيجة توتر قديم بشأن الأراضي والموارد بين ميليشيات درزية ومقاتلين بدو سنة، وتفاقم العنف بعد أن أرسلت الحكومة قواتها إلى المحافظة في 14 تموز، والتي دخلت مدينة السويداء في اليوم التالي.

 

وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقل عن 1013 شخصاً منذ 13 تموز، بينهم 47 امرأة، و26 طفلاً، و6 عاملين طبيين. وأضافت الشبكة أن الغالبية الساحقة من الضحايا كانوا دروزاً، وأن معظم القتلى سقطوا بعد وصول الجيش.

مدير الشبكة، فضل عبد الغني، قال لـ”رويترز” إن منظمته وثّقت عمليات إعدام ميدانية نفذها جنود سوريون ومقاتلون من البدو ومن فصائل درزية.

طبيب شرعي في مستشفى السويداء الوطني، طلب عدم كشف اسمه، قال إنه فحص 502 جثة خلال موجة العنف الأخيرة، بينها واحدة مقطوعة الرأس، وأخرى لفتاة مراهقة مذبوحة، بينما تعرضت معظم الضحايا لإطلاق نار من مسافات قريبة.

“هل أنت مسلم أم درزي؟”

أحد المقاطع التي تحققت منها “رويترز” صوّر في 15 تموز أمام مدرسة محمد صالح نصر في بلدة الثعلة، ويظهر فيه منير الرجمة جالساً على درجات مدخل المدرسة، بينما يصرخ عليه ثلاثة مسلحين شباب: “أأنت مسلم أم درزي؟”. وعندما يرد عليهم قائلاً: “أنا سوري”، يسأله أحدهم: “ماذا يعني سوري؟ مسلم أم درزي؟” فيجيب: “أنا درزي يا أخي”. عندها، يفتح الثلاثة النار عليه فوراً. ويُسمع أحدهم يقول: “هذا مصير كل كلب منكم، يا خنازير”.

في مقطع آخر، يظهر سبعة مسلحين يقتادون ثمانية رجال بملابس مدنية في صف واحد على أحد الأرصفة غرب ساحة تشرين وسط المدينة. حمل أحد المقاتلين شارة سوداء على ذراعه اليمنى مكتوب عليها الشهادة، على غرار الشارات التي استخدمها تنظيم “داعش”، غير أن الأخير لم يعلن مسؤوليته عن أي من الأحداث.

في بداية المقطع، يلتفت المقاتل الذي يصوّر ليظهر وجهه في الكاميرا: رجل ملتحٍ يرتدي زياً عسكرياً، وعلى رأسه عصابة حمراء، ويظهر مؤخرة بندقيته عبر صدره.

تعرّف صديق العائلة على الرجل الأخير في الصف، قائلاً إنه حسام السرايا، مواطن سوري-أميركي يبلغ من العمر 35 عاماً. وأضاف أن الرجل الذي يسبقه هو والده، والذي يسبقه هو شقيقه كريم. ومعظم البقية من أقاربهم.

في مقطع لاحق، يظهر الرجال الثمانية راكعين وسط ساحة ترابية قرب ساحة تشرين. وتُطلق عليهم النار من مسافة قريبة، لمدة لا تقل عن سبع ثوانٍ، ثم يسقطون أرضاً، بينما يصرخ المسلحون: “الله أكبر”.

وأكّد السيناتور الأميركي جيمس لانكفورد أن حسام السرايا، الذي كان يقيم في أوكلاهوما، “أُعدم بشكل مأساوي مع أفراد من عائلته في سوريا”، دون أن يورد تفاصيل إضافية.

ديما السرايا، زوجة علي السرايا – أحد الضحايا – قالت لـ”رويترز” إن رجالاً مسلحين أحاطوا بمبنى العائلة السكني غرب ساحة تشرين في 16 تموز، وطالبوا الرجال بداخله بتسليم أنفسهم، متعهدين بإعادتهم بعد استجواب قصير. لكنّ ما جرى كان مجزرة مصورة.

المصدر: وكالة رويترز

ترجمة: أوغاريت بوست