دمشق °C

⁦00963 939 114 037⁩

“ثلثهم يعينهم الرئيس”: زيادة عدد مقاعد مجلس الشعب إلى 210.. خطوة لم يفعلها حتى حزب البعث

أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – أعلن رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، محمد طه الأحمد، رفع عدد مقاعد المجلس من 150 إلى 210، في خطوة وُصفت بأنها “تنظيمية” استعداداً لأول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام السابق، لكن المفارقة هنا التي أثارت ردود فعل واسعة من قبل متابعين وقانونيين وسياسيين سوريين، هي أن “ثلث هذه المقاعد، أي 70 نائباً، سيعينهم رئيس الجمهورية بشكل مباشر”.

وفي تصريحات لوكالة سانا الرسمية، أوضح الأحمد أن المرسوم الخاص “بالنظام الانتخابي المؤقت” بات قيد التوقيع، وأنه فور إقراره ستبدأ سلسلة من الخطوات تشمل تشكيل اللجان الفرعية، واختيار الهيئات الناخبة، وفتح باب الترشح، قبل إجراء الانتخابات التي يُتوقع أن تُنظم ما بين 15 و20 أيلول/سبتمبر المقبل.

انفتاح سياسي يقابله جدل حول “استقلالية السلطة التشريعية”

ويبدو أن الحكومة الانتقالية السورية تسعى لإظهار نوع من الانفتاح السياسي، عبر السماح بمراقبة الانتخابات من قبل منظمات دولية وتخصيص ما لا يقل عن 20% من الهيئات الناخبة للنساء. لكنها في المقابل، تُقحم الرئاسة بشكل مباشر في تشكيل ثلث البرلمان، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن استقلالية السلطة التشريعية.

تعيين ثلث النواب.. سابقة لم يفعلها حتى نظام حزب البعث

وعلى الرغم من الطابع الاستبدادي الذي اتسم به حكم حزب البعث منذ 1963، فإن النظام السابق لم يكن يُمارس التعيين المباشر لأعضاء مجلس الشعب. بل كان يتم التحكم بالبرلمان عبر انتخابات شكلية تقوم على قوائم “الجبهة الوطنية التقدمية” التي يقودها البعث، حيث كانت تُفرَض أسماء المرشحين ويتم ضمان الولاء عبر جهاز أمني متشعّب. أما اليوم، فإن تعيين ثلث المجلس عبر مرسوم رئاسي يُعدّ سابقة حتى بالمقارنة مع مرحلة الأسد الأب أو الأبن.

الخطوة هذه أثارت مخاوف حقيقية من قبل حقوقيين وسياسيين ومتابعين سوريين؛ من إعادة إنتاج نفس منطق التحكم السلطوي، لكن بواجهة جديدة أكثر تطوراً، عبر تشريع ما كان يُمارس خلف الكواليس سابقاً.

“سلبيات التعيين الرئاسي للنواب في البرلمان”

وبحسب مراقبين سياسيين وخبراء قانونيين، فإن تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب من قبل رئيس الجمهورية يحمل جملة من السلبيات الخطيرة يمكن اختصار أبرزها فيما يلي:

تقويض استقلالية البرلمان: أي تصويت داخل المجلس سيكون خاضعاً مسبقاً لتأثير الكتلة الرئاسية.

تشويه التمثيل الشعبي: ثلث المجلس لم يُنتخب من الشعب، بل عُيّن. ما يضعف شرعية العملية الانتخابية.

ضرب مبدأ فصل السلطات: إدخال السلطة التنفيذية في تكوين السلطة التشريعية يُضعف التوازن المؤسساتي.

استنساخ النظام السابق بأسلوب مختلف: وإن تغيرت الوجوه والشعارات، فإن منطق السيطرة لم يتغير.

إغلاق الباب أمام التعددية الحقيقية: القوى المعارضة أو المستقلة ستكون محاصرة ضمن مجلس يهيمن عليه الرئيس.

 

مقارنة بين برلمان نظام البعث والحكومة الانتقالية

وفي مقارنة بسيطة بين برلمان نظام الأسد السابق والمرحلة الانتقالية في سوريا، يمكن أن نجد أن حزب البعث كان مجلس الشعب مجرد هيكل فارغ من المعنى الديمقراطي، بينما أعضاؤه ينتخبون شكلياً ويفرضون فعلياً من خلال حزب البعث وأجهزته الأمنية.

ولم يكن المجلس يجرؤ على معارضة الحكومة، ناهيك عن مناقشة ملفات الأمن أو السياسة الخارجية. ورغم ذلك لم يكن النظام السابق يقوم بخطوة تعيين أعضاء للمجلس بشكل مباشر.

في المقابل، تسوّق السلطة الانتقالية الحالية هذه الخطوة باعتبارها جزءاً من “تنظيم المشهد البرلماني”، لكنها تُمكّن الرئيس من فرض 70 نائباً موالياً من أصل 210، أي ضمان كتلة حاكمة في كل الظروف، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات.

“انتخابات بنصف ديمقراطية؟”

وتتحدث اللجنة العليا للانتخابات عن تخصيص وقت للمناظرات، وفتح المجال للمرشحين لإعداد برامجهم، والسماح للمراقبة الدولية، وهي خطوات تُعد إيجابية على الورق، لكنها تتلاشى أمام واقع أن ثلث المجلس ليس ناتجاً عن تصويت شعبي، ما يعني أن أي تغيير جذري في تركيبة السلطة التشريعية سيكون محكوماً بسقف تعيينات الرئاسة.

وإذا ما أُجريت الانتخابات كما هو مخطط لها في أيلول/سبتمبر، فسيكون السوريون أمام أول اختبار سياسي من نوعه بعد سقوط النظام السابق، لكن نتائجه قد تكون محددة سلفاً بفعل هذه الصيغة التي تُقحم السلطة التنفيذية في صلب العملية التشريعية.

“الأغلبية المحصورة”.. “حزب بعث جديد”

في ظل تعيين ثلث المجلس، يُصبح من الصعب على أي كتلة مستقلة أو معارضة أن تشكل أغلبية داخل البرلمان، ما يعني أن الدور الرقابي سيكون محدوداً، والتشريع سيكون موجهاً من الأعلى.

وبينما تسعى السلطات الجديدة إلى كسب ثقة المجتمع الدولي عبر إشراك النساء وتوسيع الرقابة، فإنها في الوقت نفسه تعيد إنتاج أدوات السيطرة التي كانت تُمارس في الظل في عهد البعث، ولكن هذه المرة عبر نصوص قانونية ومراسيم “انتقالية”.

ويقول متابعون للشأن السوري، إنه رغم الطابع الانتقالي للمشهد السياسي السوري، فإن خطوة تعيين الرئيس لثلث أعضاء مجلس الشعب تُعتبر انتكاسة لأي تطلع نحو بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، مشيرين إلى أنها في الظاهر تبين نفسها على أنها “واجهة انفتاح انتخابي” بينما في الحقيقية تكون “جوهر سلطوي” يتحكم بالبرلمان – قمة السلطة التشريعية.

ورغم أن البعث كان استبدادياً حتى النخاع، إلا أنه لم يقدم على ترسيخ هذا النوع من التدخل المباشر في البرلمان، وكان يترك على الأقل “احتراماً لاسم الديمقراطية في اختيار الشعب لممثليه”.

والسؤال الآن في ظل ما نعيشه اليوم، هل سينجح السوريون في فرض برلمان يمثّلهم فعلياً؟ أم سيكتفون بمشهد جديد يُعيد إنتاج نموذج سيء جداً من “حزب بعث جديد”؟.

 

إعداد: علي إبراهيم