أوغاريت بوست (مركز الأخبار) – في ظل تصاعد التوترات جنوب سوريا، وتكثّف التحركات الدبلوماسية الدولية، برزت العاصمة الفرنسية باريس كمحطة مركزية لحوارات متعددة الأطراف، شملت مسؤولين من الحكومة السورية الانتقالية، وإسرائيل، وأطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا.
هذه اللقاءات، التي اتخذت طابعاً تشاورياً مبدئياً، تأتي في سياق الجهود الدولية والإقليمية لكبح جماح التصعيد المتواصل في سوريا منذ سقوط النظام السابق، وفتح مسارات جديدة نحو حل سياسي شامل في البلاد.
ماكرون يدعو الشرع للتعاون مع قسد
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أجرى، السبت، اتصالًا مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، دعا خلاله إلى حماية المدنيين، والتعاون مع “الفاعلين المحليين”، في إشارة إلى الأطراف المؤثرة على الأرض، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
الرئيس الفرنسي ماكرون شدد على ضرورة حماية السكان واحتواء دوامة العنف، في ظل متغيرات ميدانية حساسة، خصوصًا في الجنوب السوري.
الشرع يرحب بالاستثمارات الفرنسية ويرفض التدخل الإسرائيلي
من جهته، عبّر الشرع، خلال اتصاله مع ماكرون، عن ترحيبه بأي مبادرات اقتصادية واستثمارية فرنسية تُسهم في إعادة إعمار البلاد وتوفير فرص عمل. وأكد انفتاح سوريا على التعاون مع جميع الأطراف الداعمة، شريطة أن يكون الاستثمار بوابة للسلام، لا أداة للابتزاز.
وفيما يخص الوضع في محافظة السويداء، حذّر الشرع من محاولات “تقودها مجموعات مسلحة متمردة تسعى لفرض نفوذها بقوة السلاح”، مؤكداً أن الدولة السورية لن تتهاون مع استمرار هذا الواقع، وستتحمل مسؤولياتها في فرض الأمن وتفعيل مؤسساتها ومحاسبة الجناة.
كما جدد الشرع رفض بلاده لأي تدخل خارجي في الشأن السوري، وبشكل خاص المحاولات الإسرائيلية لاستغلال الأوضاع في الجنوب، معتبراً ذلك خرقاً مرفوضاً للسيادة السورية.
لقاء سوري إسرائيلي برعاية أمريكية في باريس
وفي السياق ذاته، عُقد لقاء في باريس بين وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية السورية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم باراك، وصفته مصادر دبلوماسية بأنه “لقاء تشاوري أولي”، لم يسفر عن اتفاقات نهائية، لكنه وضع “أسسًا لاستئناف اللقاءات قريبًا”.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الحديث شمل تفعيل اتفاق فض الاشتباك بضمانات دولية، ومطالبة سوريّة بانسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من مناطق توغلت فيها مؤخرًا.
قسد ترحب بالتحرك الدولي.. وتؤكد حضورها كفاعل وطني
التطورات في فرنسا، كان لها وقع على المنطقة الشمالية الشرقية السورية، حيث كان لقسد موقف واضح منها على لسان مدير المركز الإعلامي فرهاد شامي الذي تحدث للإعلام المحلي بأنهم يرحبون بالدورين الأميركي والفرنسي في دعم مسار الحل السياسي في سوريا، معتبراً أن أي تقدم نحو الحوار والتفاهم يجب أن ينطلق من احترام هوية القوى الفاعلة على الأرض وتطلعات الشعوب السورية كافة.
“باراك طلب من قسد التدخل لاحتواء التصعيد في السويداء”
شامي كشف أن المبعوث الأميركي توم باراك طلب من قسد التدخل للمساعدة في احتواء التصعيد في محافظة السويداء، مشيرًا إلى أن قسد تنخرط حاليًا بدور فاعل هناك ضمن إطار إنساني سوري خالص، وليس استجابة لأجندات خارجية. وقال: “نحن نتدخل من أجل السلام، لأننا سوريون أولاً وأخيراً، وواجبنا هو حماية أهلنا من الفوضى والانتقام”.
الموقف من الحكومة الانتقالية والجيش السوري المستقبلي
وحول العلاقة مع الحكومة الانتقالية في دمشق، أوضح شامي أن هناك تواصلاً يومياً مستمراً، مؤكداً أن قسد تدخل المفاوضات ليس بوصفها جزءاً من السلطة، بل بصفتها قوة منظمة تمثل إرادة شعبية حقيقية وتدافع عن كرامة وهوية مكونات شمال وشرق سوريا.
وأضاف مدير المركز الإعلامي لقسد “نحن لا نساوم على مبادئنا ولا نسعى لمناصب، مشروعنا السياسي واضح، ويتمثل في بناء سوريا ديمقراطية، لا مركزية، متعددة الثقافات واللغات”.
وفي خطوة لافتة، أبدت قسد استعدادها للانضمام إلى الجيش الوطني السوري، شرط احترام خصوصيتها، معتبرة أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تمهد لمشهد وطني موحد. وقال شامي “لا يجوز وجود جيشين في بلد واحد، ولكن لا يمكن أيضاً إلغاء قواتنا”.
وفي ما وصفه بأنه “اجتماع سوري–سوري بامتياز”، أشار شامي إلى اللقاء المرتقب في باريس بين ممثلي قسد والحكومة الانتقالية، مؤكداً أنه يأتي في سياق الاعتراف المتزايد بدور قسد، ليس فقط في مكافحة الإرهاب، بل في رسم ملامح سوريا المستقبل.
“قسد ضرورية لسوريا ديمقراطية لامركزية”
خلاصة.. التحركات الدولية في باريس، بدفع من أمريكا وفرنسا، تعكس إدراكاً متزايداً بأن الحل السياسي في سوريا لن يكون مجدياً دون إشراك الفاعلين المحليين، وعلى رأسهم قوات سوريا الديمقراطية.
وبينما تسعى الدول الكبرى إلى احتواء التوترات في الجنوب، وتطويق القلق الإسرائيلي، تبدو قسد حريصة على أن تكون جزءاً من الحل، لا العقبة أمامه – ولكن بشروط واضحة: سوريا عادلة، ديمقراطية، لا مركزية، ويبدو أن الغرب بدأ بالسير بهذا الاتجاه أيضاً.
إعداد: ربى نجار